كتاب شجِي القلب
بقلم رحمه علي
《أقُولُ وقَدْ نَاحتْ بِقُرْبي حمامَةٌ:
أيا جَارتا هَل تَشعرينَ بحَالي؟
أتحملُ محزونَ الفؤادِ قوادمٌ
عَلى غُصُنٍ نائي المسافةِ عالِ؟
أيَضحَكُ مأسُورٌ، وتَبكي طَلِيقَةٌ،
ويسكتُ محزونٌ ويندبُ سالِ؟》
ما بالك أيتُها الحمامة؟ وأنتِ حرةٌ طليقة تحلقين أينما شئتِ فرحابك واسعةُ؛ فإذا ضاقت بكِ حلقتِ عاليًا بين عَنَان السماء، ليتني مثلك أمتلك تلك الحرية حين أجدُ أن وطني ليس مُرحبًا بي فأذهب بعيدًا أبحث عن وطنٍ آخر يحتويني ويحتوي أحلامي، فرحابي واسعةٌ أيضًا ولكن كلما تضيقُ بي لا أجدُ مهربًا منها وتَريني بين ديجور همومي وحيف الحياة يأسرني، فكفاكِ بُكاءً وأنتِ فوق منيف من الأرض عالي،
وأنا هنا أجلسُ بين أربعة جدران أُسلي نفسي بحالي، في حين أنني أولى من يبكي على حاله.
رحمة علي
دائمًا ما كنتُ أتنازلُ عن حقوقي، أُجهدُ نفسي من أجل صديقي وهو لا يعي ذلك، أقوم بدور ليس دوري وإن كان هذا الدور لا يُناسبني، أتواجد في علاقةٍ مؤذية لمجرد كون الطرف الآخر سعيدًا ولا يشعر أنه يتراقص على جُثماني، ولكن اكتفيت من هذا كله فبَعدَ أن أعلنوا حدادي بأفعالهم وهم لا يدركوا الآن أخُذ عزائي منهم فقد أحيوا نفسي من جديد ولكن ليس كسابِقِها، وقرأتُ مرةً:
《إن ما يتحتم علينا أن نفعله هو أن نتحمل لا أن نتنازل.》
حقيقية تعجبتُ منها فهو يقول علينا التحمل لا أن نتنازل حسنًا ولكني أرى أحدهما وسيلة للآخر مثلَ أن يكون التَّحمل يُزين الطريق إلى التنازل، فمعنى أن نتحمل يعني أن نستنزف طاقتنا وهذا أيضًا يؤدي إلى هلاكنا، فنحن إلى متى سنتحمل؟
إلي متى سننتظر تنازلهم وتحملهم لنا؟
لذلك أقول لك عزيزي لا تتحمل أكثر من طاقتك، اجعل لكل شخص له رصيد لديك بمجرد ما ينفذ هذا الرصيد لا تعد شحنه أتركه هو يفعل ذلك فإذا أرادك حقًا سيملأُه هو هذه المرة،
فإن ما يتحتم علينا أن نفعله هو أن نتَنَحَّى لا أن نتنازل.
رحمة علي.
أَتُخبرني أن أهرب رغمَ علمك أنَّه لا مفر؟ أ حقًا تُريدُ مني أن أفعل ذلك؟
وأنتَ تدركُ أني ليس لدي مكانًا أهربُ اليه سوى إليك، وإنَّ جميع الطُرق تؤدي إليك، فقُل لي أين ألوذ بمهربٍ؟ فكفاكَ تَمرُدًا وكل هذا من صُنع يداك فلا تَلومني وأنت من أطفأت تلك النار وجعلت مني رمادًا تذهبُ به الرياحُ بعيدًا،
ولكن ذلك الرماد الذي تناثر، سيعود إليك بإعصار يهدم نسيم رياحك.
رحمة علي
قيل《عندما يغلق باب ينفتح باب آخر》ولكننا ننظر للباب المغلق بتَلَهُّف وكأننا إن غُلِقت علينا كل أبواب الدنيا، فكل من إرْتاعَ عن مواجهة الحياة أو مشاكلها أُغلقت عليه أبواب الأمل، فحين إن فتحت نوافذ غرفتك ونظرت للحياة كالمطر الذي يحيي الأرض بعد موتها ستشرقُ الشمس لتُضيء ظُلمات غُرفتك وتدفئها بنور ضيائها، ستجد أن الأبواب تنفتح لك يوميًا، ومن لم ير الأبواب التي تنفتح يوميًا له ستكون حياته مليئة بالعَقبات وتُعم غرفته بالديجور والعسعَس،
فكيف سترى الباب الآخر وأنت واقفُ تُحدق في ذلك الباب المغلق؟
فاعلم أن أغلق الله الباب الذي أمامك ماهو إلا شرٌ كبير قد أحجبهُ عنك، وستجد مفتاحك أيضًا لا يتناسب مع ذلك الباب، فلا تقف طويلًا وأنت تُحدق فيه وانظر أمامك ستجد أن الله فتح لك بابًا آخر على مصراعية يُشع منه نور الأمل.
رحمة علي
"من لم يزُرنا والديارُ مُخيفةٌ
لا مرحبًا بهِ والديارُ أمانُ."
لم أنسى تلك الأيام التي مررتُ بها؛ فكانت أيامًا مليئة بالديجور والعسعَس ولم أجد من يدفئ تلك البرودة التي اقتحمت لَيلي، كُنت وحيدًا تمامًا ولم أجدك لتؤنس روحي؛ صار ونيسي فراقك، لم أيأس من مجيئك لي؛ وانتظرتك بلا ملل أو كلل ولكن خيبت كل أمالي وكنت سبب في آلامي، فبعد تركك لي أشتدَّ دُجى ليلي، ولكن لا بأس فأنا مثل السماء كلما زاد ظلامها سطعت نجومها، فظلام رحيلك عكس لي ضياء روحي فصرتُ أُنير لمن يُزهر فؤادي بصدقه وأحرِق لمن هم أمثالك، فإن كنت لم تزُرني ودياري مخيفة؛ فلا مُرَحبًا بِك ودياري مطمئنة آمنة، لا أقول هذا بقلب جاحدٍ ناكرًا لمعروف إلا إذا رأيت نُكر معروفي بجحود، فصرفت نفسي عنك وهي غانيةٌ، ويأبى لي العزُّ أن أمسكَ حبلَ أنانيةٍ ليس له طرف.
رحمة علي
ماذا لو عاد معتذرًا؟
حقًا بعد صبابة قلبي وما أُكابِدُها طول تلك السنين! الآن يأتي ويعتذر، أينَ كان عندما احتجتُ إليه؟ لقد عشتُ وحدي مع ألمي وحزني وسط الدُّجى، ولم أجده ولا مرة بجانبي، لقد خذلني لدرجة أن يَقْمَّرَ ليلي كلما أتذكر كيف تركني دون حتى إرسال عبارات الوادع أشعُر وأنَّ في قلبي لوعةً تُحْرقُني، فكيف بعد كل هذا يأتي ليعتذر فقط؟ فالذي عشته لا يعوضه اعتذارات العالم أجمع، لقد أحاقَ قلبي بالديجور؛ فـصار جافي من كل المشاعر يرتَوي بمطرٍ واكِف من البرود ولا مبالاة، فلا تَلومَنَنِي على قسوة فؤادي وهو من صُنع يداك.
رحمة علي
"فَلا تَحسَبي أَنّي عَلى البُعدِ نادِمٌ
وَلا القَلبُ في نارِ الغَرامِ مُعَذَّبُ"
فبعد كل ما فعلتهِ بي أتُريدين أن أكون بكِ مُتيّمًا! هيهاتُ هيهات فما الحب عندي إلا مشاعر من اليأس والبؤس؛ بل وأراه حبًّا فالقًا لروحي، ولا يخلُ فؤادي قط من سوالف حبٍّ قد مضت، فوللهِ أني أشهدُ أيام في قُربك جنة، وما كانت إلا أيام عابرة في زمني، فالذي بيدكِ ماكنت أفلته؛ إلا بعد أن رأيت في عينكِ دُمَّ البصر عن حبي، فيا من كنتِ بستانًا أسرتني بجمال وردك وجذبتِني بريح رحيقك، فلا تظني أني على بُعدِ نسيمكِ نادمٌ، ولا يُصوِّر لكِ عقلكِ أني معذب بنار الغرام، فقد كان كرهي على قدر حبي، فأنا الذي أحرقت قلبي وصار رمادًا أنثره على طريقي وأعلنُ حدادي.
رحمة علي
كيف تتركني وتذهب هكذا دون تَشْيِيعي، كيف أمكنكَ أن تفعل هذا؟ رحلتَ وأخذت معك قلبي وروحي ولم تكتفِ بهم لترحل سعادتي وكل جميل في هذه الحياة لتبقى معي تلك الذكريات التي لا تقتصر على رحيلك عني، تنتظر كل ليلة لتُفنن أنواع الألم، مرةً أتذكر أيامنا سويًا، ومرة أتذكر فراقك، أُشاهد هذا الفيلم المرعب يوميًا على أمل أن ينتهي بنهاية سعيدة
رحمة علي
أراك لا تُبالي لمشاعري ولا تعني لك شيئًا ولكن أنت لا تُدرك ماذا يحدث بداخلي، لا يمكن وصف شعوري وأنا أراك تعاملني مثل الجميع أو تُحدث فتاة أُخرى غيري، فنار الشوق هذه تحرقني صرتُ بُركانًا مليء بالحُمَم البركانية ولكن وحدك أنت من يمكن أن يخمد هذه النار التي بداخلي، فالغيرة قد شوهت جسدي وأكلت روحي، كفاك فأنا لا عُدت أحتمل أن أراك هكذا لا تعي شيئًا من حولك، هذا ما تفعله بي الغيرة لتراني أنت بهذا الثبات الانفعالي، وأنا أقف أمامك لا أُبالي بما تفعله ولكن تبًا لك ولحبك
رحمة على
أعلم أنَّ كثرة العطاء دون مقابل جعلت مني شخصًا فارغًا، شخصًا يعمه الديجور، فلم يَتبقَّ مني شيئًا لأقدمه لأحد، لكني كنت أعطي ولا أنتظر شيئًا منهم، لذلك لا بأس بما تبقى مني، أيضًا مثلما أنا أُعطي ولا أُبالي إذًا هناك أيضًا من سيأتي ليعطيني أكبر كوكب في مجموعته، حينها لن أتفاجأ كثيرًا؛ فهذا ما فعلته، ولكن المدهش وجود شخص يتنازل عن أكبر شيء يحمله دون أن ينتظر منك شيئًا، فهو شعور رائع يغمُرني بدفء عطائه، لذلك لا تكترث إن أعطيت أحدًا شيئًا ولم يُبادلك هذا، فهو حتمًا ليس الشخص الموفق، واعلم أن هناك من يبحث عنك ليعطيك المجموعة الشمسية.
رحمة علي
قيلَ:«وَلَقَد أَعافُ الشَيءَ مَعَ أَنّي بِهِ
كَلِفٌ شَديدُ الوَجدِ صَعبُ المَنزَعِ»
فبينما هناك شِقاق ما زلتُ كَلِفٌ شَديدُ الوَجدِ وصِبابة فؤادي تَحرِقني
أتظاهرُ بإعفائي ويوجد لوعةٌ في قلبي
فقد أحاقَ رحيلُك سهمٌ في الفؤاد تغلغلَ
فاشتدَّ بي فأَقمرَّ ليلي
وأنا الذي ليلهُ يُعميهِ الدُّجى
كموجِ بحرٍ مضطرب
ومنارةُ بحري من بعدكِ إنطفأت
وإذا صعُبَ المنزَعُ من عيونِ أدْعَجٍ
فأين ألوذ بمهربٍ؟
رحمة علي
فقدتُ نفسي مع مرور الزمن فقدت شغفي في كل شيء لم أعد أهتم لشيء، فالزمن يُمطر خيبات وأعاصيف خذلان، لقد تآكلت مع مرور الزمن وفقدت بصري ما عُدت أرى أي شيء صِرتُ أصمٌ أبكم مثل المومياء الفرق أني مغلف بأحزاني وقلبي ينبض ألمًا، أقف على مرآة ولكني أرى أنني مشوه تمامًا لم يتبق لي أي ملامح، أنا الآن وحش الزمان ووحش نفسي.
رحمة علي
غريبٌ المرءُ حين يجلس وحده فيُفكر في اللا شيء، فيجد نفسه بين ظلامٍ دامس لا يعلم لما هو هنا وكيف يخرج من كل هذا الديجور؟ لا يعلم حتى أنهُ في القاع أم لم يصل بعد، حقًا التفكيرُ في ذلك مرهق يجعلك غريبًا بين نفسك
ولكن حتى ولو طال هذا الظلام واذا كنت في المنتصف أم في القاع حتمًا سيأتي النور، سيخرج شعاع من بعيد وأنظر إليه كما لو أنه طوق نجاتي
فإن الدنيا ليست بباقية، إذًا كل ما عليها كذلك؛ فلا يصور لك عقلك بأن مشاكلك أو أي شيء من متاعب الدنيا باقي عاجلًا أو آجلًا سيزول كل شيء.
رحمة علي
مظهري مثل بلدة هادئة
وقلبي يعم بداخلة ثورات
ولا أعلم متى ستنتهي، ولكن أظن أنها ستزدهر يومًا ما.
رحمة علي
كيف أبدو الآن؟
كَمنزل رائع، مليء بالدفء والرِثَاء ويعمه الهدوء والسكينة وسط هذا الديجور الدامس والصَقِيع الذي يعم بالخارج،
هذا ما يبدو لك، ولكن هذا ليس حقيقي فهو تمويه لما يحصلُ داخله
إنهُ مليء بالوحدة، مَريج وفوضوي عكس جماله الخارجي، أكثر زَمْهرير وعَسْعَسَ ومطر الخيبات لا يتوقف قط
هو أشبه بمنزل تسكُنه الأشباح،
لكني لا أعتقد أن الأشباح يمكن أن تَوطَّنَ في مثل هذا البيت!
إذًا فلا تدع عيناك تخدعك، فليس كل ما يظهرُ لك حقيقي، ولكن إن دققت النظر سترى كل من حولكَ سراب.
وبعد أن رأيت الحقيقة، أخبرني كيف أبدو؟
رحمة علي
وها أنا ذا أجلسُ في حيرةٍ من أمري ولا أدري أي طريقٍ أسلكهُ، فأنا لا أعلم نهاية أي مسار منهم؟
أخافُ أنْ أختار وسيلة القلب فألقِي بنفسي في بئر الخيبات ولا أقدرُ على الخروج منه وأكونُ الشخص الذي تصرف بغباء مع أُناس هيأ له القلب بأنهم أهلًا للثقة، فأجلسُ أنا وخيباتي في الظُلماتِ
وأيضًا العقل ليسَ بمسير لين مثل القلب فهو أقسى بكثير شبيه بممر مليء بالأشواك فأسيرُ والدماء تسيلُ مني كُلما تقدمتُ خطوةً فيصعبُ على السير
ولا أدري أيهم سأختار، في حين أنا أجلس لأُفكر بينهم مر عمري هباءً
وفي النهاية فقد قتلتني الحيرة وأنا أجلسُ حاملًا خيباتي في كيس الزمن والدماءُ جَفت مني فلم يبقَ سوى العظام.
لِرحمة علي
ماذا لو التقينا وسمحت لنا الفرصة بأن نلتقي؟
أعلم لو أجتمعنا سيكون الصمت هو سيد الموقف ولكني لا أُبالي فالكلام لا فائدة له، ماذا سأقول لك؟ هل سأقول لك أنتي أفتقدك؟ وهل هذا سيهمك؟
ففي كل مرة اُريدُ أن أراك، أن أُطفئ نيران شوقي الذي لا تخمد ابدًا، فأنا حقًا أفتقدك، ولكن القدر لهُ رأي اخر.
"وياليتني التقيتُك."
لـِ رحمة علي
لِمَا لا نترك الخلاف الذي بيننا خلف الأبواب ونُؤصِدها؟
ونطلق العنان لحبنا ونحرر ذلك الطفل الذي بداخلنا ونحيا معًا؟
أليس هذا ما تطمح إليه؟ أليس الطفل الذي بداخلك يريد ذلك؟
لما تكابر المشاعر التي بجوفك وكل شيء فيك يريدني؟
عيناك تبحثُ عني هنا وهناك،
روحك تطوف حولي دائمًا،
قلبك يخفقُ بشدة إن رآني،
لما تُعذّب روحك وروحي معك،
كفاكَ تمرُّدًا وأَعْتق ذلك الطفل من سجنك ليأتي ويحررني من سجني.
لِرحمة علي
رحلتَ وصار الفؤاد سجينًا بين الترائب، مُحاط بالديجور من كل الجوانب، وصرتُ أهتف هنا وهناك عسى أن أجدك بين أضلُعي، ولكنك تلاشيت دون أن تأبى بقلبي، وأصبح الشجى من بعدك صديقي.
لِرحمة'علي
أصبحت أحلامي تتساقط مثلَ أوراقِ الأشجار في أولِ يومٍ من فصل الخريف.